تربع مسجد السلطان قابوس وهو المسجد الأكبر في سلطنة عُمان ، في قلب العاصمة مسقط وتحديدا في ولاية بوشر كي يسهل الوصول إليه من ضواحي المدينة و مركزها، بمساحة إجمالية بلغت 416 الف متر مربع، بطول 1000 متر طولي وبعمق 885 مترا من الشمال الى الجنوب، بعد أن أمر السلطان قابوس ببنائه ليكون مركزا للتفاعل مع روح الاسلام دينا وعلما وحضارة ومع نتاج تاريخه الأدبي والثقافي.
ويشكل المسجد الذي افتتح في عام 2001 واستمر بناؤه زهاء ست سنوات من العمل المتواصل، تحفة معمارية أبدعها المهندس المعماري العربي محمد صالح مكية، الذي جمع في تصميمه أصالة العمارة الإسلامية ،ومقاييسها وبين الحداثة العالمية، ومتطلبات البناء والتصميم العصرية والمستقبلة.
شيد مجمع المسجد على أرضية متسعة ومرتفعة عن سطح الموقع بمقدار 1,8 متراً، وهدفت هندسته المعمارية الى الإبقاء على المبدأ العُماني السائد في رفع عمارة المساجد التقليدية القائمة في احياء وقرى المدن القديمة على مستوى العمارة السكنية أو العامة.
واستخدم الحجر الرملي الأبيض القشدي أو (المائل إلى الصفرة) أرابسكاتو لكساء مباني حرم الصلاة لتميزها عن الحجر الأرجواني الفاتح، "تاج ليلك" الذي يلبس جدران الأروقة ومرافق المسجد المختلفة.
والتمايز في لون الحجر يشكل تحولا هادئا بين مناطق العبادة وخطوط الأروقة المحيطة بالحرم، ولقد تم استخراج الحجر من مقالعه الطبيعية في الهند ومن ثم قطعه وتشذيبه وصقله ونقشه في مسقط.
يقع المدخل الرئيسي للجامع عبر طريق الممر الجنوبي الخاص بالموقع، حيث تبرز الواجهة الجنوبية للمجمع بتجردها الحجري المعبر، دون أن توحي أو تلوح بفضاءات الداخل وتقاسيم الأمكنة، وتؤدي ثلاثة معابر من منطقة الوصول إلى ارضية المجمع عبر ثلاثة مداخل يلي كل منها صحنه الخاص والمرتبط بدوره بسلسلة عقود الرواق الجنوبي.
وأما المصلى الرئيسي صمم ليضم أكثر من ستة آلاف وخمسمائة مصل، بينما تبلغ سعة مصلى النساء سبعمائة وخمسين مصلية، مع أمكانية احتواء الصحن الخارجي لثمانية آلاف مصل، بالإضافة الى الصحن الداخلي والأروقة ، فإن السعة الإجمالية للمسجد تصل إلى إمكانية إحتواء عشرين ألف مصل ومصلية.
وتتوج جدران المصلى الرئيسي شرّافات يتأصل طرازها في عمارة القلاع العمانية خاصة، ومسننات الشرفات في العمارة الاسلامية عموماً.
وأما جدار القبلة يتميز بكوة المحراب البارزة في نتوئها عند الواجهة كما هو التقليد في وضوح التعبير عن حائط القبلة في تصميم المساجد عامة، والمساجد العُمانية خاصة.
ويضم المسجد أيضا مكتبة عامرة بالمراجع التي تبلغ نحو 20.000 مجلد في شتى العلوم والثقافة الاسلامية والانسانية، إضافة الى باحات وقاعات خاصة.
وللمسجد خمسة مآذن ترمز إلى أركان الأسلام الخمس ترتفع نحو 45 مترا، بما يضفي الانفتاح المعماري لفضاء المسجد وارتباطه بالنسيج المديني المحيط به بصريا.
وتكتسي أرضية المصلى الرئيس بسجادة عجمية على شكل قطعة واحدة تبلغ أبعادها أكثر من 60 في 70 مترا وتغطي مساحة إجمالية 4263 مترا مربعا ، وهي مؤلفة من 1700 مليون عقدة وتزن 21 طنا.
إن رقة وتعقيد نسيجها الرفيع يعود إلى جودة عقدتها التي تصل إلى 40 عقدة في كل 6,5 سنتمر، واستهلكت صناعة وإنتاج السجادة مدة أربع سنوات استغرق منها 15 شهرا لاعداد التصاميم والخيوط والصباغة وإقامة ورش الحياكة الخاصة بها.
أما عملية الحياكة فبلغت مدتها 27 شهرا متواصلا ، تبعها فترة 5 أشهر في الإنهاء والقطع والغسيل التقليدي.
وبلغ عدد العاملين في عملية الحياكة 600 إمرأة من مدينة مشهد الإيرانية.
تملأ الزخارف الاسلامية الهندسية جدران وأقواس المسجد التي تتكاثف، والتي تم إنتقاؤها بحسب أهمية عناصر العمارة ومكانتها من حرم الجامع، وتحتل أسماء الله الحُسنى موقعها بين أقواس وواجهات الأروقة الشمالية والجنوبية وعلى جدران الصحن الداخلي ومدخل مصلى النساء، وجميعها محفورة بالخط الديواني.
الإضاءة
صممت مجموعة من الثريات ( عددها 35 ثرية) خصيصا للمصلى الرئيسي مصنوعة من كريستال "سواروفسكي" ومعادن مطلية بالذهب، وتتدلى هذه حول قاعة المصلى من سقف الأروقة وعند جدار القبلة والمدخل الشرقي،وتتدلى الثرية المركزية من قبلة القبة بقوام يبلغ طوله 14 مترا وقطر 8 أمتار، وهي تشمل 1122 مصباحا وتزن بهيكل فولاذها الصامد 8 أطنان.
الأروقة الشمالية
تضم الأروقة الشمالية مجموعة من القاعات إجمالي عددها 12، صممت كل قاعة بكوات تحمل طرازا معماريا فنيا خاصا يعود إلى حقبة تراثية مميز، وانتقاء الأعمال الفنية جاء من الفنون العربية المحلية، والإسلامية ومن حضارات ما قبل الإسلام، لتمثل نماذج تطور وتعدد أشكال الزخارف المعمارية وثقافتها التي انتشرت بأنماط غنية من الأندلس الى الصين.
الرواق الشمالي يحتوي من الغرب الى الشرق على التوالي قاعة لفنون السلطنة والجزيرة العربية، يتبعها قاعة الفن العثماني، ثم فن عمارة المماليك في سورية، ومصر يليها قاعة فن الزليج المغربي ثم فنون بلاد مابين النهرين، ومصر القديمة وأخيرا الفن البيزنطي الذي انتشر في عصور الاسلام الأولى.
وأما قاعات الرواق الجنوبي ( تبدأ من ناحية الغرب الى الشرق) بفن بلاد الحجاز، ثم الفن الاسلامي الهندي، يتبعه قاعة الفن التيموري في آسيا الوسطى ثم الفن الايراني الصفوي، والفن الاسلامي المعاصر، وأخيرا نموذج في أعمال إسلامية فنية حديثة.
وتم تصميم وصناعة زخارف الكوات المختلفة بمواد خالصة من الرخام الملون، والرخام الهندي الأبيض المطعم بالأحجار الكريمة، والفسيفساء والخزف بأنواعه الزليج ،والقاشاني، والمزجج ،وقطع الخزف الحديثة، والمصقولة، كل بحسب أصول حرفته.
جميع المواد الخالصة المستخدمة ،والحرف التي اجتمعت في تكوين عمارة المسجد جاءت بعد أبحاث ودراسات في مواقع مصادرها المتعددة، وجاءت التصاميم الحديثة والعالمية مع التطوير والابداع أو التعديل في تفاصيل وفنون عمارة هذا الجامع، وأنجزت معايير تقنية في أساليب الانشاء والبناء والزخرفة من أجل تحقيق النوعية الفنية والبنية المتينة المرغوبة لتواصل عمارتها عبر العصور.
وانبثق عن تطوير مشروع الجامع بفعالياته الثقافية ومهامه الدينية والروحية معهدا للعلوم الانسانية ، وقد تم إنشاء المعهد في مبنى مستقل بمرافقه التعليمية الخاصة جنوب الجامع.
يشكل مسجد السلطان قابوس مشروعا متكاملا ومعلما روحيا وصرحا معماريا ثمينا متواصلا مع حقبات التراث الاسلامي العريق.